اللإخطاءا وأزرمة الفعالية
شتيب عن العلل را انام
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
الانحطاط وأزمة الفعالية . تنقيب عن العلل والاثار
د.حسين بيوضء بتول أحمد جندية *
قسم اللغة العربية» كلية الآداب والعلوم الإنسانية» جامعة حلب
*طالبة دراسات عليا (دكتوراه)
الملخص
طموح هذه الدراسة المتواضع اكتشاف العلل الخفية لانحطاط الأمم
والحضارات» وتقصيها في جذورها الخفية التي تنبت في الظلام مع بواكير إنجازات
الحضارة؛ وتؤسّس لنفسها في أصولهاء لتتحول مع الزمن» ومن خلال التراكم»
واستغلال الضعف المتسربء إلى سوس ينخر في أسس بنيانها الشامخ؛ فينقلب الرضا
إلى خورء والإنجاز إلى تواكلء والنظام إلى خضوع.. ولا تنهار إلا تلك الحضارات
التي تملك في ذاتها شروط الانهيارء أما التحديات الخارجية فهي مجسات قوة الأمم»
تخترقها إن ضعفتء وتمدها قسوثها بالصلابة اللازمة للنهوض من جديدء إن توافر
لها المعادل الداخلي المناسب.
المقدمة:
جرت العادة بتبسيط مشكلة انحطاط هذه الأمة» والتماس عللها في العوامل
القريبة من انهيارهاء والقاء اللوم على الدولة العثمانية» وما انتهت إليه من مظاهر ظلم
وفساد.. في مقابل هذه الرؤية التبسيطية» ظهرت تحليلات حاولت أن توغل وراء
المشكلة إلى جذورها العميقة التي ترجع إلى زمن الغزالي لما انتصر للنقل على العقل
وللاتباع على الابتداع» بل ربما أعمق من ذلك لما سلب الأمويون الخلافة وحوّلوها
وزئة بعد أن كانت شورى.. وواضح أن هذه المواقف تتفاوت في منطلقاتهاء فالأول
التبسيطي يبحث في العوامل الاجتماعية ويتحرك ببواءعث قومية
قبل للنشر بتاريخ 1 ٠١1١/1/91
١
د. بيوضء» وجندية
غالبَاء والثاني مشغول بالفكر وحركته؛ والثالث ينظر بمنظار سياسي ويهتم لأمور
الحكم والدولة» وكلها . كما يقال محق فيما يثبت غير محق فيما ينفي. أما هذه
الدراسة فإنها تؤثر أن تلم بالمشكلة من منطلق حضاري ف 0 الحضارة بوصفها
سلسلة متصلة من التجارب والخبرات» تلونت بألوان مختلفة وعصبيات متنوعة
وتعاقبت عليها دول متلاحقة حتى أسلمت نفسها إلى القرن العشرين منهكة من رحلة
التاريخ الطويلة» وإنما وجب النظر إليها بعين الوحدة لأنها اغتذت من مصدر
حضاري واحدء وشكلت دافعتها فكرةٌ كلية واحدة تفاوتت قوة وضعقًا على مر القرون»
وكذلك لكل حضارة فكرة جامعة تمنحها الطاقة للانطلاق والاندفاع. وتنشأ مشكلة
الانحطاط في الأساس من خلل في الفاعلية يبدد طاقات الأمة ويكبلهاء ويحولها
عاجزة لا حول لها ولا قوة» وما ذاك إلا بسبب انقطاع صلة الأمة بفكرتها الكلية
ومصدر طاقتها المحركة» أو ضعف هذه الصلة. وسوف نجدٌ في هذه الفقرات في
طلب العوامل التي حولت الشعوب العربية المسلمة إلى شعوب خاملة» وعطلت
فاعليتها التاريخية» وقطعت صلتها بطاقتها المحركة.
الإرهاصات:
كانت الدولة العربية الإسلامية دولة قوية متماسكة دانت لها بالولاء مناطق
شاسعة وشعوب متنوعة» وقدمت من خلال صيغتها الدينية السياسية الخاصة نموذجًا
ناجحًا لمركزية الحكم المدعومة بشرعية دينية» وهيبة عسكرية» وعهد بالطاعة» ويمين
بالبيعة» واجماع ضمني على أحقية العرب بالرياسة لأسباب دينية أو أدبية. ولكن
العنصر العربي الذي دخل طور انحلال مزمن نتيجة الترف والفساد» وتضييع
العصبية بالامتزاج بالأعاجم» عجز عن أن يقدم عصبية جديدة تمد الدولة بدم نقي
فتي قادر على النهوض بأعباء الأمة الثقيلة» فتحولت الخلافة إلى منصب رمزي كان
غطاء مناسبًا للفرقاء المتصارعين والدويلات المتناحرة التي فتّتّت الأمة وأطمعت بها
الأعداءء لولا أن نهضت عصبيات مسلمة من غير العرب بواجب الذود عن الأمة
المتشرذمة» لتكمل الدورة الحضارية وتمد في عمر الأمة وتمنحها من خصوصيتها
وذاتيتهاء وترد عنها خطر الاجتياح والفناء» وقد هُددت في عقر دارها على يد
١
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
الصليبيين والمغول. استطاعت الهجمات الصليبية أن تستنزف طاقات الأمة الإسلامية
ومواردها على مدى قرنين من الزمن» حتى قدر المماليك على طرد آخر فلولها. بيد
أن الاجتياح المغولي . على قصر مدته('!؛ وعلى الرغم من احتواء الحضارة الإسلامية
للمغول وانتصارها عليهم ثقافيًا . كان هو المنعطف الفاصل المودي إلى انحطاط
الحضنازة الأسلقية!"اء لس لأنه سكيلف مظافو الكزف المسف واقاز الأبية
المطغية» ولا لأنه أباد إنجازات السنين المتراكمة التي حملت النفوس الكسولة» ومنحتها
سيماء التفوق والتقدم» ومباهج العظمة("؛ فربما كان في هذا الدواء» ولكن لأن جائحة
'أما المغول فقد أقبلوا وارتدوا في أربعين عامًا لا أكثر؛ ولم يأتوا ليفتحوا ويقيمواء بل جاؤوا ليقتلواء وينهبوا
ويحملوا ما يسلبون إلى منغوليا. ولما ارتد تيار فتوحهم الدموي خلّف وراءه اقتصادًا مضطربّاء وقنوات للري
مطمورة» ومدارس ودورًا للكتب رمادًا تذروه الرياح» وحكومات منقسمة على نفسهاء معدمة» ضعيفة» لا تقوى
على حكم البلاد» وسكانًا هلك نصفهمء وتحطمت نفوسهم..", ."81-58٠60/1١7 :]١[ إنه هلاك مادي ومعنوي»
وهلاك السكان المادي عامل قوي في انهيار الأمم» ولذلك فإن أول أربعة عوامل منذرة بموت الغرب عند
بوكانئن: "سكان يموتون": [7]: 577. وبالخلاف» تكون القوة البشرية طاقة كامنة لأي مشروع نهوضء وأساسًا
شرطيًا لأي تفوق» وقد لاحظ ديورانت أن العامل البشري كان من أهم عوامل نهضة فرنسة لويس الرابع عشر.
ينظر: [1]: 5-17/91. مما يعني أن الأمة العربية الولآدة تقف اليوم على خرّان للطاقة يخسره الغربء ولا بد أن
(') ويؤكد توينبي أن الغزو المغولي للعراق عام ١١15/8 هو الضربة القاضية التي وُجّهت للمجتمع السوري»
ينظر: [؟]: .47١ /١ ويهون بعض الدارسين من دور المغول في نكبة الأمة الإسلامية وانحطاطها متعللين
بأن التخريب اقتصر على العراق؛ وأن المغول بدؤوا عهدًا جديدًا من الازدهارء وإن كان باللغة الفارسية!! ينظر:
.١44 :]4[ ولعل وفيق رؤوف لم يرد السقوط فيما أسماه 'تبرئة الذات "القومية" من معايبها.. ما يؤدي إلى
إسقاط النقائص على الغير» ما يوفر على النفس مراجعة النقد الذاتي"؛ [4]: .١55 وهو محق في الحرص على
تفادي هذا المزلقء لولا أننا نقول إن الكوارث الخارجية تحطم الحضارات التي تتوافر لها شروط الانهيار أساسّاء
ثم إن بغداد كانت حاضرة الخلافة وقلبها النابض» وسوف ينعكس سقوطها على الولايات كلهاء ولا يخفى أن
اتخاذ الفارسية لغة للنشاط الثقافي مكرس للقطيعة الحضارية التي سوف نتكلم عليها.
(' كانت الأمة تملك قابلية الانكسار في ذاتها قبل الغزوء فقد غرقت في ترف مفسد بدد طاقاتها المادية
والمعنوية» فقد "..اجتمع الانغماس الأبيقوري في الملذات» والهزال الجسمي والعقلي» وخور العزيمة والعجز
الحربيء والانقسام الديني والالتجاء إلى المراسم الغامضة الخفية؛ والفساد السياسي والفوضى الشاملة» اجتمعت
هذه العوامل كلها وائتلفت لتحطيم كل شيء في الدولة قبل الغزو الخارجي... لقد كان هذا كله . لا تبدل
المناخ» هو الذي بدل آسية الغربية من زعامتها على العالم فقرًا مدقعّاء وخرابًا شاملاً... [و] ما تعانية في الوقت
؟
د. بيوضء» وجندية
المغول لن ترضى بأقل الخسائر»ء وتأبى إلا أن تجمع على المسلمين عجرًا روحيًا فوق
العجز المادي الذي أنزلته بهم» ويبدو أنهما عجزان مفض كل منهما إلى الآخرء وقد
تمثل العجز الروحي في إعاقتين خطيرتين؛ الأولى إحساس طاغ بالذل سرى في
الناس سريان رعب المغول في نفوسهمء علمهم الخور والكفر بالقدرات؛ وحقَنَ اليأسَّ
العتيد في النفوس التي رضيت أن تستكين» فسلب منها إرادتها وقدرتها على مقاومة
التحديات المنهكة» لتتحول إلى زبد عاجز ينقاد بالتيار يجرفه أنى شاءء لقد استسلمت
للمصير("'! والإعاقة الثانية هي الدخول في حالة انقطاع حضاري وتاريخي مفاجئ
نتج عن تدمير البنى المؤدسّسة؛ العلمية والعمرانية والاقتصادية» والتصفية الجسدية
لرجال العلم أو تشتيتهم؛ والمذابح الجماعية لعامة الأمة(). وتفنى المعرفة بموت
رجالها أو ضياع مصادرها وفقدان وسائلهاء وتاريخ الأمة هو معرفتهاء ومعرفتها هي
فكرتها التي قامت عليهاء وطاقتها التي أطلقتهاء ومحركها للفعل والتأثير» فإذا انقطعت
صلتها بها خسرت طاقتها وتقلصت فاعليتهاء وفقدت بوصلتها الموجّهة» وتحولت
مُْلها إلى مفاهيم غائمة مشوهة لا تحرّك إلا إلى الخمول ولا تنتج إلا الخراب» ومع
تكرار المحاولات والفشل» تغبن الذات قدرها وتجهل نفسها وتقع في يأس معجزء وذل
مكين» وانما تُستمد العزة من ماض تليد أو حاضر فريد» ومع نكبة المغول خسرت
الحاضر من فقرء ومرضء وركود" ."81/1١7 :]١[ ولا تسقط أمة إلا إذا اجتمع عليها ترف يُعجِرُ الخاصّة»
ويسلبها القدرة على الكفاح» ويغمرها بالرضا الذي يمتص الطموح للريادة» ونكبات تقعد العامة» وتسلمها للذل»
وتجردها من إرادة البقاء الفطرية.
(') يروي ابن الأثير في الكامل: كان التتري يدخل القرية بمفرده» وبها الجمع الكثير من الناس فيبدأ بقتلهم واحدًا
تلو الآخرء ولا يتجاسر أحد المسلمين أن يرفع يده نحو الفارس بهجوم أو بدفاع!! وقال أيضا: 'ولقد بلغني أن
إنسانًا منهم أخذ رجلاء ولم يكن مع التتري ما يقتله به» فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح» فوضع رأسه
على الأرض ولا تبرح» فوضع رأسه على الأرضء ومضى التتريٌ أحضر سيفًا فقتله به"!!ء [5]: .414/٠١ قد
تشتمل هذه الروايات على شيء غير قليل من المبالغة» ولكن دموية المغول التي طارت أخبارهاء جعلت الرعب
هو الطابور الخامس في المسلمينء وإذا كان الترف يحطم القدرة على البقاءء فإن الذل يسلب إرادة البقاء ذاتها.
('" ينظر: [1]: 58/55.
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
الأمة الأقنية!'!! ولكن الذل سيظل أهون الأغاضين؟ لأن الأمة سككرن نفسها مفة
وتتطبب من أعراضه إلى حين من الزمنء أما الانقطاع الحضاري فهو الداء العياء
الذي سينتفخ بكرّ الأيام') ويصير سرطانًا يتغلغل في مناحي الحياة كلهاء ويشد الأمة
إلى قاع الانحطاط.
توالد المتناقضات:
في مثل هذه الأجواء سيكون ظهور الدولة العثمانية نجدة للعالم الإسلامي»
ورفضة حياة للحضارة المتهالكة()؛ فليس ما قدمه العثمانيون دولة قوية متماسكة,
وجيشًا منتصرّاء وخلافة محترمة ترهب الأعداء وتزع الفرقاء» ونظامًا إداريًا محكمّاء
وقانونًا موقرًا يلزم الجميع فحسبء. بل منحوا الحضارة الإسلامية دورة حياة داخلية
(') أما بلاد المغرب التي كانت بعيدة عن خط التوسع المغولي» فطبيعي أن تنعكس عليها آثار الهجمة المغولية
على المشرق الإسلامي سلبّاء لأن المشرق» كما هو معلوم؛ كان هو مركز الإشعاع الثقافي» ولكن للمغرب نكبته
الخاصة» نقصد بها سقوط الأندلس؛ العمق الإستراتيجي للمغرب» فصار من بعدها مطمعًا لهجمات إسبانية
وبرتغالية لا تهدأء ثم إن شروط الانقطاع الحضاري كانت تتحقق فيه على مهلء فقد منح سلاطين المرابطين
الفقهاء سلطات واسعة حوّلت كثيرًا منهم إلى طبقة متكسبة فاسدة أفسدت الدين» وتأسست قطيعة معرفية مع
مصادر الدين الإسلامي المرجعية عطلت الفكر وأفقرت الروح» يقول المراكشي في المعجب: "... حتى سي
النظر في كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم» فلم يكن أحد من مشاهير ذلك الزمان يعتني بها
كل الاعتناء"؛ [5]: .١77 وينظر: [7]: /4» .5١ وقد تكفلت المجاعات والأوبئة بحصد السكان وكسر
مقاومتهم؛ وإضعاف اقتصاد البلادء وتعطيل مرافق الحياة. ينظر: [8]: .185-1١4١
('" في القرن التاسع عشر كتب بازيلي عن حالة العلم في سورية قائلاً: "لا يتسنى لأحد الوقوف على آثار
الأدب القديمة» ولا يتذكرها أحد. ويمكن القول إنها معدومة في سوريا". [9]: ,5٠ وأكد فولني أنه 'مع أن
مكتبات مصر كانت الأكثر ثراء فلم تكن تعرف هي الأخرى تنوعًا كبيرًا في الكتب"» [1]: 8. ولكن ذلك لا يمنع
من أن بعض هذا التراث ظل محفوظًا في مكتبات الكليات والمدارس الدينية» وفي المكتبات الخاصة لبعض
الأسر العريقة» ولكن الوصول إليها كان متعذراء ينظر: ١77/5 :]٠١[ وما بعد.
(" لسنا في هذه الصفحات نجمّل تاريخ الدولة العثمانية» فأياديها وسجاياها مشهورة يعرفها القاصي والداني»
ويشهد بها الأعداء قبل الأصدقاءء. ولكن هذا كله لا يلغي أن نهاية الخلافة الإسلامية» وفاجعة الأمة بهاء كانت
على يد هذه الدولة» فقد أسهمت في انهيارها بقليل أو كثير سنعرض له في حينه؛ على أن يرافقنا على طول
العرض ضابط لازم يميز بين فترتي ازدهار الدولة العثمانية وانحطاطهاء وانعكاس الأحداث وعوامل الانحطاط
عليهماء أو تدخلهما في إيجادها.
د. بيوضء» وجندية
داعمة!') مشحونة بطاقة شابة» وعصبية بكرًا استطاعت أن تمد في حياة الأمة قروتًا
إلى الأمام. كان الذل أول ما عالجته الدولة الفتية» لا نقول عن طريق إقرار العدل
ورفع سلطة القانون» وإنما بالدرجة الأولى عن طريق توليد هذا الشعور بالفخر؛ الفخر
بالانتماء إلى دولة قوية متقدمة قادرة على تأمين حدودهاء وارهاب أعدائهاء والتفوق
على منافسيهاء مما يعيد الإحساس المفقود بالأمن والثقة والعزة واحترام الذات. وعلى
الرغم من أن مشكلة الانقطاع التاريخي تفاقمتء فإن العهد العثماني كان ذلك الحاضر
الفريد الذي أعاد ربط الأمة بفكرتهاء ووصلها بمصدر طاقتهاء ومحدد هويتهاء ورسخ
ثقتها بها ويقينها بصدقيتهاء فالدولة العثمانية القوية المتفوقة قدمت الفكرة الإسلامية
في إطار جليل من القوة والهيبة والتقدم» والتزام سلاطين العثمانيين الأوائل بالشعارات
والقيم التي رفعوها أحكم ربط المثال بالواقع» وكذلك هي الفكرة عادة» تستعيد صدقيتها
وثبوتها وترتفع درجة الإيقان بها حين تقدم تقديمًا حسنًا مشفوعًا بالقوة والانتصار
والتفوق» وتعرض عرضًا ماديا في شخوص تكون مثالاً للعطاء والتضحية؛ فالشعوب
تلحق الأفكار المتتنصرة عادة. لقد شحنت الأمة بطاقة إيجابية متوقدة أعادت إليها
كثيرًا من فاعليتها وقدرتها على التأثير في المحيط التاريخيء وبتلك الطاقة حشد
العثمانيون الأمة في مشروع نهوض قام على أساس إحياء فريضة الجهاد المعطّلة!),
(') ينظر بحث على عتبات الحضارة . الدورة الداخلية الداعمة؛ مهاد أطروحة الدكتوراه للباحثة.
('' مع عصر الدول المتتابعة» عُطَلت الفريضتان؛ الجهاد والدعوة . ما خلا جيوبًا هنا وهناك وفي معارك فاصلة
ضد الصليبيين أو المغول . بتوظيفهماء سلبّاء في الاقتتال الداخلي بين الدويلات الإسلامية وصراع الفرق
وحولوها إلى قوة لترسيخ أركان الخلافة وحفظ أمنها. وقد عُرف عن العثمانيين أنهم رجال حرب لا فكرء وجهاد
لا دعوة» شعارهم المميز 'إما غاز واما شهيد"؛ ولذلك فإنهم لم يرفدوا فتوحاتهم العسكرية بنشاط دعوي مكافئ
يسعى إلى ترسيخ الفكرة الإسلامية في البلاد المفتوحة» فتحولت تلك البلاد في مرحلة الضعف إلى بؤر توتر
وثورة. ولعل لسياسة العثمانيين اللامركزية» ولعلاقتهم الإيجابية بالأقليات» القائمة على الانفتاح والتفهم واحترام
الخصوصيات الثقافية والدينية» دورًا في هذا القصورء فقد اكتفوا وقنعوا من سلطتهم في كثير من البلدان
بالخراج» ووكلوا أمر الرعايا إلى كبرائها المحليين وسادتها الدينيين» من دون إدراك لأهمية الاختلاط بشعوب
البلاد المفتوحة» ونشر الدعاة بينهم, لينقلوا إليهم الفكرة التي يحملونها. ولا تخلو هذه السياسة من تهرب من
المسؤولية» أو تخل عنهاء تجاه هذه الشعوبء أو تجاه واجب الدعوة نفسه؛ لا سيما أنها مورست في الإقطاعات
5
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
وحققوا الفكرة الإسلامية في بعض إمكاناتها؛ لاسيما العسكرية والإدارية. وقد رحبت
الأمة بالخلافة الجديدة وتسابقت الإمارات العربية إلى تقديم طلبات الالتحاق بهاء وقد
حاز العثمانيون الشرعية المطلقة بتنازل آخر خليفة عباسي عن منصب الخلافة لهم
وإقرار أشراف الحجاز بسلطتهم المعنوية والروحية على الأماكن المقدسة(").
بيد أن دولة قوية لا تكفي لمعالجة استطالات المطب الحضاري الذي كانت
تمر به الأمة» بل إن تركة الانحطاط الثقيلة ستسغل طاقات العثمانيين وسجاياهم ذاتها
لتمكّن لنفسها وتمد باعها في صمتء وخصائص الشعب التركي المتميزة التي قامت
عليها دولتهم القوية» ستلتحم بالواقع الآخذ في الانهيار وتتحول إلى عوامل سلبية» لا
سيما في مرحلة الضعف حيث فَرّغت فيها هذه الخصائص من معناها ومحتواها
الإيجابي»
كان العثمانيون من أكثر العصبيات المسلمة تبجيلاً للإسلام والتزامًا به
وشاؤوا أن يكون الإسلام هوية لهم وعلامة عليهم قبل هويتهم العرقية» حتى اشتهروا
به وصارت النسبة إلى الترك نسبة إلى الإسلام نفسه!")» وقد تضافرت خاصية تبجيل
الإسلام مع التزام الأتراك الصارم بالآداب الاجتماعية واحترام أصحاب الرأي والشأن»
وكان من نتيجة اعتدادهم بالهوية الإسلامية أن قدروا على استيعاب الخليط المعقد من
الجنسيات المسلمة وغير المسلمة» وضمنوا ولاءها لهمء واستقرار دولتهم؛ وذلك أعطى
الإسلام دفعًا قويًا بدوره. ولكن اتحاد تبجيل الإسلام بتقديس العلماء أفرز ظاهرة فريدة
في التاريخ الإسلامي» تمثلت في امتلاك علماء الدين سلطة مادية موازية لسلطة رجال
المسلمة وغير المسلمة» ونجم عنها آثار خطيرة انعكست سلبًا على تمدين هذه البلاد وعمرانهاء وخللاً في
إدارتهاء وزادت ضريبة "الالتزام' في مستوى الضرر المتحققء كما لم تكن هناك متابعة حقيقية للولاة من قبل
الدولة تلزمهم ببرنامج إصلاح محددء أو طريقة إدارة تناسب خصوصية المنطقة» أو تراعي الحدود الدنيا التي
ترضاها الدولة في رعاياهاء الأمر الذي أدى إلى صدور أوامر عزل متلاحقة تحت ضغط شكاوي الأهالي» مما
عرقل أي أمل في الإصلاح المستديم. ينظر في هذا الشأن: 551١ :88 :]١١1[ 2545 558. وقد شاء الوردي
أن يسمي هذه الطريقة في الحكم ب'الحكم السائب", ينظر: 2١18/5 :]١7[ وينظر: :]١5[ 846.
('" ينظر: :]١7[ 07ر5 ؟7.
(') ينظر: [1]: .11١-103/57 وإلى اليوم» يصف بعض الغربيين كل ما هو إسلامي بأنه تركي.
/
د. بيوضء» وجندية
الدولة بل متفوقة ومهيمنة عليها في أكثر الأحيان» ومع منصب "شيخ الإسلام" عرفت
الدولة الإسلامية صيغة دينية في الحكم غير معهودة!') حرصت أن تضبط القوة
بالقيم» وتقيد سلطة الحاكم بالدين. ولكن ضعف الخلفاء في المراحل المتأخرة» والفساد
العام الذي تفشى في طبقة العلماء نفسهاء حوّل المنصب الديني إلى بؤرة فساد
وتكسبء والخلافة إلى ألعوبة في يد الأقوياء تباع وتشرىء وترك الأمة من دون قدوة
أو مثل أعلى تحتذيه؛ وجردها من ثقتها بمرجعيتها الروحية ومصلحيهاء وجعل
استجابتها لهم في مشاريع الإصلاح ضعيفة أو محدودة أو معدومة» لا سيما أن
فسادهم كان يمس عامة الأمة في بعض الأحيان7!؛ وبذلك فقدت الأمة ركنا أساسيًا
كانت تعتمد عليه في تجديدها وتصحيح مسارها.
(' ينظر: :]١١[ 79-108 84. ومع أن الدولة الإسلامية دولة دينية» فإنها لم تعرف هذه الظاهرة إلا نادرّاء
والأصل أن يكون الخليفة مستمدًا سلطته الزمنية» وموقعه في الدولة» من سلطته الدينية ومكانته الروحية
وخيريته» وهو الشكل المثالي الذي عرفناه في العهد الراشديء ومنجمًا في عهود متفرقة فيما بعدء ثم استحدث
شكل كان فيه الخليفة رجل دولة فقطء أما القادة الروحيون فاستقلوا بسلطتهم التي لا تلزم الحاكم» وإنما تذكره إن
كان من أولي الذكرىء أو ترهقه وترهبه بسلطتها على العامة إن لم يكن. وقد أدى الفصل الواقعي بين
السلطتين؛ واستقلال القيادة الروحية للأمة إلى تفادي بعض الآثار السلبية لوراثة الحكم؛ وما تشتمل عليه من
احتمال وصول حكام فاسدين إلى السلطة» وذلك بسلبهم القدرة على السيطرة على عامة الأمة» وتولية هذه
المهمة لإصلاحييها الذين كانت تستجيب الأمة لنداءاتهم على الدوام» وتستهدي بهم في الملماتء الأمر الذي
أخر الهرم الداخلي للأمة» وسمح لها بفرص نهوض متكررة» على الرغم من فساد حكامها في كثير من الأحيان.
ولكن.. هذا الانفصال نفسه حرر القوة من سلطة القيم ورقابتها المباشرة!!
('' ويقدم الوردي مثلاً لخضوع السلطة الدينية للمغريات الخارجية:؛ بارتباطها بالسلطة» واستقلالها عنهاء في
نموذجين: شيعي وسني في العراق» :]١7[ 17/5". وهذا نابليون يحلل في مذكراته شخصيات علماء الأزهر
فيصفهم بأنهم: "ذوو طباع هادئة» ويحبون العدالة» وعلى درجة من الثراء» وأصحاب مبادئ خلقية عالية» وهم
من دون منازع أكثر الناس أمانة في مصرء ولا يركبون الخيل؛ ولا يمارسون أعمالاً عسكرية» ولا ينتظر منهم
تزعم حركة مسلحة”. [4 :]١ 8. فعلماء بهذه السلبية والعجز قد يكون في مقدورهم تحريك الشارع؛ ولكن لا
يمكنهم قيادته» ولذلك يؤكد الشناوي أن زعامة الثورة المسلحة ضد الفرنسيين لم تكن خالصة لعلماء الأزهر» بل
شاركهم فيها العسكريون العثمانيون والأمراء المماليك» .7١١ :]١4[
/
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
منذ عهد أبي حامد الغزالي» شاع "التقليد" منهجًا للحياة والفكر7')؛ وسار جنبًا
إلى جنب مع التصوف الآخذ في التفشي في المجتمعات الإسلامية» وكاناء على
الزمن» يتحولان إلى صور منحرفة تحمل كل ما يقود إلى الجمود في الفكرء
والانحراف في العقيدة» والعطالة في الفعالية» فلما تزاوجا؛ أي التقليد والتصوف»
بصفتي: تقديس الرجالء واجلال الدين» العثمانيتين صار التقليد نبدًا للأصولء واتباعًا
للرجال؛ وتواكلاً عليهم» وتعصبًا لهم» وتكميمًا للعقول؛ وانغلاقًا في الفكرء الأمر الذي
انعكس على الحياة العلمية؛ عقمّاء وجمودًا شاملين!"). أما التصوف فإنه الذي سيعمق
أثر هذه التقاليد» ويمد باعها في الحياة» فالتقديس والتقليد سيتجسدان في طقوس
حياتية ومعتقدات شعبية تحرر النفس من مسوولياتها تجاه الواقع والتاريخ؛ كمبدأ
(') يرتبط الدين؛ كمفهوم, بالاتباع والتقليد؛ كمنهج» ارتباطًا وثيقاء ولا تخلو أمة من الأمم حتى في أكثر معارفها
تحررًا وتجديداء من أن يكون التقليد خيارًا أو ضرورة لها في مرحلة من المراحلء وأن تكون فيها شريحة واسعة
تتبع قادتها وتقلدهم» فالتقليد آلية محتملة وحيادية لا تعيق إلا العاجزء وتتعطل الأمم حين تفتقر إلى قادة يملكون
الجرأة والقدرة على تجاوز التقليد إلى الاجتهاد استجابة للمتغيرات. والحضارة الإسلامية حضارة دينية يمثل
الاتباع ركنًا أصيلاً في معرفتهاء لا سيما في انطلاقتها الأولى حيث ساد ما عرف بمنهج "التسليم' في مقابل
منهج "التأويل" الذي راج في مراحل لاحقة لمواجهة انتشار الشك والجدل الفلسفيين» ثم عاد التقليد إلى الصدارة
بعد أن انتصر له الغزالي ليواجه الفكر الفلسفي وقد هدد يقينية الفكرة الإسلامية وجدارتها بقيادة الحياة والمجتمع»
وأوجد داخل المجتمع المسلم تيارًا شكيّا وماديا إلحاديًا يؤثر اللذة» ويدين باللادين.. فقلص ذلك كله من قوة الفكرة
الدافعة وطاقتها الموجهة. لم يكن موقف الغزالي مبنيًا على اجتهاد شخصي وتجربة ذاتية فقطء ولكن قبل ذلك
على استقراء للتاريخ الإسلامي؛ حيث وجد أن المنهج الاتباعي السلفي أثبت أهليته ولم يخذل الأمة حين تم
اختباره في مطلع الحضارة» وأنه أسهم في تلك المرحلة باندفاعتها العلمية والعمرانية» ولذلك اعتقد أنه الحل
الأمثل لمواجهة الفكر الفلسفيء ولتجديد الأمة التي أعياها الجدل وخذلها العمل. ولكن انتصار الغزالي لمنهج
الاتباع لم يود إلى النتائج التي توقعها؛ لأن هذا المنهج هو عنصر واحد من عناصر كثيرة ومعقدة كان يجب
أن يحتويها مشروع إصلاح متكامل لم تتهيأ الظروف لوجوده؛ بالإضافة إلى أن الأمة التي اعتنقت مذهب
الغزالي كانت غيرها في مرحلة الإقلاع الحضاريء إذ تشوهت فطرتهاء وانحرفت خصائصهاء واعتادت العطالة
والكسل؛ وبدل أن تنهض بالتقليد» تواكلت عليه وأخلدت به إلى الأرض.
(') يرصد شوقي ضيف علامات ومظاهر الانحطاط العلمي» حتى في الأزهر؛ منارة العلوم الإسلامية الرئيسة
في ذلك العهد. ينظر: .,3١-١9 :]١5[ وينظر: [15]: .481-48٠ 5311/١
81
د. بيوضء» وجندية
الشفاعة(')؛ والمهدي المنتظرء والتماس المدد من السادة والأولياء. وعقيدة القضاء
والقدرء التي أمدت النفس المسلمة بطاقة جبارة في مواجهة التحديات» تتعرض
لتحريف حاد يحولها إلى إيمان بالجبرء وتواكل على القضاءء وتكريس للسلبية والعجز»
وسادت بناء على ذلك مفاهيم تذم العمل والسعيء وتزين التواكل وتبرر البطالة
والكسل7)؛ وطبيعي أن تتكامل هذه الصيغة العرجاء العاجزة مع ترويج الصوفية
لخرافات مهمتها أن تغذي تطلعات الناس وأحلامهم. وتستجيب لآمالهم» وتسكن
الامهم» وتجعلهم يتعلقون بالمعجزات» وينتظرون الكرامات» هربًا من واقعهم» وعجرًا
عن تغييره» وتخليًا عن المسؤولية تجاهه(). ولشدة تقديس العثمانيين للأولياء» وحبهم
للإسلامء رأوا أن يرفعوا التصوف مذهبًا رسميًا عامّا في البلاد» فرسخت أقدامه.
وراجت مبادئه؛ وانتشرت بين العامة والخاصة معتقداته!)» وصار ركنا أساسيًا في
تعليم الانكشارية وتدريبهم7؛ فتعلمت النفس العثمانية أن تستسلم للأخطارء وتطأطئ
رأسها للمحن» وخسرت مقاومتها العنيدة للتحديات والمعيقات. لم يدرك العثمانيون أن
() يتوسع الوردي في تحليل آثار مبدأ الشفاعة على الحياة الاجتماعية» ويرى أنها صورة من صور الوساطة
و'الدخالة" الدنيوية التي تنقذ المسيء بالنفوذ» وتضمن راحة البال حتى مع الممارسات الفاسدة» ف"الجميع واثقون
بأنهم سيدخلون الجنة غدًا بواسطة الشفعاء الكرام"» .185-1١/1/١ 205/١ :]١7[
(') كتب أحد المستشرقين الألمان وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم الأخيرة» يقول: 'طبيعة المسلم التسليم
لإرادة الله والرضا بقضائه وقدره والخضوع بكل مايملك للواحد القهار. وكان لهذه الطاعة أثران مختلفان: ففي
العصر الإسلامي الأول لعبت دورًا كبيرًا في الحروب إذ حققت نصرًا متواصلاً لأنها دفعت في الجندي روح
الفداء وفي العصور الأخيرة كانت سببًا في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي فقذف به إلى الانحدار
وعزله وطواه عن تيارات الأحداث العالمية". [17]: 728. 'وينفخ الإسلام في الناس روح الشجاعة المفعمة بالأمل
زمن الحربء ولكنه كان يغرس في نفوسهم وقت السلم روح التسليم بالقضاء والقدر التي تثبط من عزائمهم',
الاك تن تان لس
("" ينظر: :]١14[ 54517. ويعتبر توينبي أن الحضارات تنتهي في مرحلة التحلل إلى ضرب من "التدين العفن'"»
حيت ثهزم الفلسفة أمام الدين» ولا يجد من يطرحون طريق العقل سبيلاً إلى القلب» ويتحولون لا إلى قديسين»
ولكن إلى مشعوذين. [؟]: ”/ ."547-54١ وينظر في المعنى نفسه: [1]: .1557/9٠
9) لم يكن للسلاطين العثمانيين العاجزين من ردة فعل تجاه أخطر موقف يتعرض له سلطان؛ أعني موقف
الخلع؛ إلا التسليم بالقسمة والنصيب» ينظر: [17]: .١55/* 28٠١/7 وينظر[9١]: 147 7.
) ينظر: [17]: /١ 54..
١
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
صيغة التصوف المنحرفة تلك هي تبديد إرادي لطاقة الإسلام الحركية؛ وانحراف
بمبادئه إلى منظومة مفاهيم معطلة» بعد أن ظل الإسلام قروا متحدًا بالحياة» وناسجًا
معالمها ببراعة وسيطرة!
يصف توينبي العثمانيين بأنهم مروضو الرجال7")؛ وأن الغرب قد استعار
منهم سلاحهم البتار الهائل ألا وهو النظام الصارء7)؛ وقد تهيأ لهم ذلك بفضل
اجتماع عادة الاحترام بطبع الجلد والحزم والصلابة» فاستطاعوا أن يبنوا نظامًا إداريًا
محكمّاء ويفرضوا سلطان القانون على الرعاياء ويوجبوا احترامه بينهم. وقد تمثلت
إنجازاتهم في هذا المضمار في البنية الإدارية الهرمية للدولة(؛ وفي النمط المنظم
للجيش العثماني الذي كانت فرق الانكشارية خير مثال عليه!')؛ وكان لهم من وراء
ذلك أن يبنوا تلك الدولة القوية ممتدة الأطرافء؛ ويفرضوا هيبتهم وسلطانهم على
شعوب زمانهم. ولكن.. دائمًا للقيمة وجهان؛ سلب وايجابء ودأبنا أن نرصدهما معًا
ونكشف عنهما كليهما. نقول: إن احترام النظام وصرامته طبع الدولة العثماينة بطابع
عسكري وصلابة إدارية» انقلبا مع الضعف إلى سلطة استبدادية قمعية» وتحول النظام
الإداري إلى بيروقراطية متكلسة وهرمية صارمة» فصار ذلك كله علة لتفشي الفساد
إذن فقد اجتمعت في الدولة العثمانية أسباب الترف وشروط الذل؛ وكلاهما
محبط للطموح ومقعد للهمة» أولهما بما يزرع في النفس من الرضا والقناعة» وثانيهما
بما يعودها على التطامن للمعيقات والاستسلام للتحديات» وكان من التقائهما فساد
زوم سوم
( [؟]: 017" أما ما وصل إليه الغرب اليوم من النظام؛ واحترام سلطة القانون» فقد كان حصيلة قرون
عديدة من الصراعات الدموية والنضال الدؤوب ضد النزعات الهمجية والفردية.
7" 'والأرجح أن بيروقراطية الدولة العثمانية كانت أقدر ما وجد من نوعها في النصف الأول من القرن السادس
عشر" [1]: 177/55.
0 ينظر: :]25١[ /ا5لا وما بعد..
1١١
د. بيوضء» وجندية
الخاصة والعامة. وفي الوقت الذي علّمت فيه الدولة العثمانية أوروبة العدالة(), أعاد
إلى نفوس رعاياها اجتماع الظلم بالاستبداد والخضوع لسلطان القانون7) سيرة الذل
المنطوية التي بدأت مع المغول؛ وعُطلت المصالح حتى مل الناس العمل وأنفوا من
بذل الجهدء وتلقفت النفوس العاجزة كل ذلك بالرضا والتسليم» وباليأس والتبريرء
وبالعجز عن التغييرء فليس في الإمكان أبدع مما كان! وقبل أن يركن جيش
الانكشارية إلى الترف ويحوّل قوته إلى الداخل؛ أسهمء باضطلاعه بمهام الجهاد
والدفاع والأمن» في تعطيل الأمة» وإقالتها من مسؤوليتها التاريخية» وتحريرها من
واجباتها العليا تجاه الفكرة وتجاه الجماعة» وعزلها عن الحياة العامة وأمور الحكم
والدولة» وقوّى فيها النوازع الفردية» وقعد بهمتها إلى الانشغال بشؤون المعيشة اليومية
وتحقيق الطموحات الشخصية»؛ وهذا هو مصير الشعوب التي تألف حياة السلم» وتأنف
من مواجهة الأخطار7. وتضعف بينها الروابط. فلما قررت الدولة تصفية الانكشارية
واصلاح الجيش في مطلع القرن التاسع عشرء تبدى هذا الخلل عيائاء وأطلت
تراكمات القرون الماضية في ظاهرة تهرب شباب الولايات من التجنيد الإجباري بكل
(') "كما اعتقد مؤرخ إنكليزي كبير أن 'سير القضاء في عهد الحكام العثمانيين الأولين كان في تركيا أفضل منه
في أية بقعة في أورباء وأن رعايا السلطان المسلمين كانوا أدق نظامًا من معظم الجاليات المسيحية؛ وأن الجرائم
كانت أندر", [1]: .1١17-117/55 وينظر: :]١1[ /761.
(') قد يكون مفهومًا أن يعلّم الظلمٌ النفوس الذلَ ولكنه من عجائب النفس البشرية ومن نكبات العقل الإنساني
أن يسلب سلطان القانون . وهو مطلب حضاري جم . من النفوس سورتها ويعلمها الانقياد والتطامن» وكان ابن
خلدون أول من أدرك أثر الخضوع للقانون على الفعالية» وربط بين دولة القانون ودولة الاستبداد في تشجيع
نقيصة الخوف والتكاسل» يقول: "..فإن كانت الملّكّة رفيقة وعادلة لا يعانى منها حكم ولا منع وصدّ كان الناس
من تحت يدها مدلين بما في أنفسهم من شجاعة أو جبن واثقين بعدم الوازع حتى صار الإذلال جبلّة لا يعرفون
سواها وأما إذا كانت الملكة وأحكامها بالقهر والسطوة والإخافة فتكسر حينئذ من سورة بأسهم وتُذهب المنعة
عنهم لما يكون من التكاسل في النفوس المضطهدة" [١؟]: .١51/ /١
(" لأجل هذا رأى مكيافيللي أن حالة "السلم إذا طالت فوق ما يجب تؤدي إلى الضعف والتفكك؛ ولذلك كانت
حرب تدور بين الفينة والفينة مقوية للقومية» تعيد للأمة النظامء والشدة» والوحدة"؛ .537/7١ :]١[ وأيد ديورانت..
'حيث كان لزامّاء للحفاظ على نظامه [الجيش العثماني] وكبح جماحه؛ أن يخوض الحروب", [1]: .11١7
1١5
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
الحيل الممكنة(). ولم يكن تحمّل الجيش المحترف أعباء الجهاد والأمن هو العلة
الوحيدة لعزلة الأمة» فقد تآزرت عوامل أخرى لعل أهمها: ضعف اللغة العربية؛ لغة
حضارية جامعة تصل وتؤلّف بين الجنسيات المتباينة التي ضمتها الحضارة
الإسلامية» لا سيما مع انتشار الجهل والأمية. وكذلك أدت صعوبات الاتصال بين
أطراف الدولة العثمانية المترامية لا إلى مشكلات إدارية فحسبء ولكن إلى تكريس
عزلة الأمة عن الشأن العام لعدم اطلاعها على أخبار الدولة وخططها وأهدافها
وحروبها وحال جيوشهاء وصعوبة معرفتها بأحوال العالم الإسلامي والأخطار المحيقة
به والمحن التي يعيشها في وقتهاء وهذا أعاق بدوره إمكانات التدخل والمساندة»
وأضعف الحماس والتعاطفء وعطّل في مجموعه الوعي الإسلامي المشترك» ورقق
وحدة الحال بين الشعوب المسلمة. وقد تغير هذا الوضع مع ظهور وسائل الاتصال
الحديثة وسبل المواصلات السريعة التي كفلت التدفق المتبادل للمعلومات وخلقت ,أيًا
عربيًا واسلاميًا موحداء وقد أعان انتشار التعليم والنهضة العلمية على حل معضلة
اللغة نوعًا ما.
وتغلغلت مشكلة العطالة وضعف الفعالية في أركان الحياة النفسية
والاجتماعية والمعرفية والسياسية للأمة» وكان أبرز مظاهرها التدهوران العلمي
والاقتصادي وانعكاسهما على القوة العسكرية. وإنما يقوم الاقتصاد على قوة العمل؛
فكيف السبيل إليه في أمة تعلمت الكسل والخمول؛ وفضلت القناعة والرضوخ؛ وفقدت
مثيرات الطموح أو أعرضت عنها؛ 'ولتجدنهم أحرص الناس على حياة7"» وتآلفت مع
الجهل والخرافة» وأيقنت بعبثية العلم7). وفضلت راحة التقليد على جهد الإبداع
(') ينظر: [17]: 2.4/7 5". وينظر: [3]: .١١1١
('" البقرة /95.
("" 'كانت تهيئة السبل لتحصيل العلوم والمعارف أو نقلهما هي أضعف حلقة في الحضارة العثمانية. وكان
التعليم الشعبي مهملاً بصفة عامة. وضآلة العلم والمعرفة أمر خطير””, [1]: .17١/77 "ولم يجد الناس في
أنفسهم تحمسًا إلى كسب المعرفة وتحصيلها مثل الأوربيين الغربيين» فشجعوا الجمود وعدم التحركء وكانوا أكثر
استعدادًا للقناعة ولم يتصفوا بالطموح". [1]: .١75/7٠١ وقد أكد الباحث الفرنسي دي فوجيو في عام 178١م
أن "السكان المتواكلين الذين طحنهم الاستبداد كانوا أميين بالكامل تقريبًا", [9]: 544+ 8. وينقل ليفين عن رسالة
١
د. بيوضء» وجندية
والاجتهاد» ورفعت لواء الرفض أمام كل جديد؟! كما سادت فيها أخلاق اللامبالاة
والنفعية وغلب عليها النازع الفردي والانشغال بكل ما هو تافه وسطحي(")؛ وغشيها
الفساد والغشء وضُيّعت الحقوقء وعُطّلت المصالح("» واستقرٌ اليأس في أعماقهاء
فضعف اقتصادهاء وتواضع إنتاجهاء وتأخرت معارفهاء وهزمت جيوشهاء حتى سبقها
أعداؤها وتفوقوا عليها في الميادين كلها.
الأمم العظيمة تحتمل الهزائم:
ولكن.. لم يكن لهذه الأمة أن تفنى؛ ف"الأمم العظيمة تحتمل الهزائه 7
وتزيدها الضغوط والتحديات حصانة؛ وتستفز ممانعتها الداخلية» وحري بنا أن نتلمس
مواطن القوة في هذه الأمة» ونبحث أين يكمن احتياطي فعاليتها الذي سيغذيها بوقود
الكفاح في مواجهة التحديات المصيرية؟! نقول في إيجاز.. إنه على الرغم من أن
عوامل الانحطاط السابقة كلها أضعفت سلطة الفكرة الإسلامية تاريخيًا وعمرانيّاء فإنها؛
كفكرة حضارية مؤيسة» ظلت على الدوام ذات سلطان روحي قوي على النفوس
وحضور اجتماعي حاسم. لقد اتحدت الفكرة بالذات؛ الفردية والجماعية» وأي تهديد
لأحد الطرفين هو تهديد للآخر واستفزاز له سواء كان للفكرة أو للذات» واتحاد الفكرة
بالذات وبالمجتمعء لا بالحياة والمصلحة؛ جعلها المعادل المثالي المكافئ لتحديات
الوجود المصيرية» وعامل التوحيد والتكتل في وجه الأخطار. ولكن المشكلة أن هذه
نشرت في مجلة المنار مجهولة الكاتب تشكو من حال الشبيبة أنهم "..لا يتلقون تربية سوية» إن لم نقل إنهم لا
يتلقون أية تربية على الإطلاق. فهم لا يتعلمون أي شيء من شأنه أن يحفز الفكر أبدًا... ولا يتلقون غير قشور
فارغة..." [9]: 0-49 5. "هكذا كانت الحياة قبل الثورة العرابية» لا يدرك الناس من المصالح إلا الداني القريب
الذي يمس أشخاصهم. ولا يعرفون من المتع إلا أدناها مما يتصل بملذات الجسدء ولا يرسلون أبناءهم إلى
مدارس القرية (الكتاتيب) إلا أن يكونوا عميانًا يرتزقون بقراءة القرآن"”» .7754/١ :]١5[
(') 'وكانت دائرة اهتمامات الناس محدودة. ففي المساجد والمقاهي والحمامات العامة . الأندية العربية الفريدة من
نوعها .لم يكن الناس يتحدثون تقريبًا إلا عن الشؤون العائلية وعن أحداث الحياة اليومية» وكانوا يتناقلون
الشائعات والخزعبلات فيما بينهم'. [9]: 8.
(') يرصد نعيسة بعضًا من مظاهر الفساد والغش والخداع والغلاء» وما نجم عنها من ثورات أهلية طالت
المحكمة والقضاة لعجزهم وفسادهم. [؟1]: /١ 9759-:707.
0 زم .ف
15
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
الإمكانات ضمن الشروط التي نصفها تظل كامنة ساكنة» وقوى سلبية معطلة, لا
يحركها إلا الخطر أو عوامل الاستفزازء لتعود مع زوالها إلى سكونيتها من جديد(").
وفي مرحلة الانحطاط تجسدت قوة الإسلام الكامنة تلك في ظاهرتين واضحتين: مبدأ
الجهادء وتماسك المجتمع الداخلي.
إن الضعف والانحطاط اللذين رزحت تحتهما الأمة لم يعيقا الفكرة الإسلامية
أن تمدها بطاقة دفاعية جبارة» ودوافع تضحية مدهشة:؛ لمواجهة الأخطار الخارجية»
لا سيما إن كان مصدرها عدوًا مناقضًا في ماهية الفكرة نفهساء وتحت لواء الجهاد»
وبإيمان راسخ بالقضاء والقدرء انطلقت نجدات من أنحاء العالم الإسلامي إلى مصر
لمساندتها في صد الحملة الفرنسية!!؛ وواجب الجهاد نفسه هو الذي حرك الشعوب
المسلمة من بعد في ثوراتها ضد المستعمر الأجنبي في مختلف البقاع العربية
والإسلامية. لقد تعلم المسلمون كيف يموتون لأجل الإسلام ونسوا كيف يعيشون به؛
وما يلبث الخطر أن يحركهم ويشعلهم بالطاقة» حتى يعودوا عاجزين أمام تحدي
العمران والبناء» ويردوا فائض الطاقة ضد أنفسهمء فعاليتهم آنية يوقدها الحماس»
ويخمدها برود العقل ومَّرٌ الزمان» ولذلك نجحت الشعوب العربية في مقاومة المحتل
الأجنبي وكسبت حريتها واستقلالهاء ولكنها فشلت من بعد ذلك في معركة البناء ولاكت
أخطاءها وما زالت..
وإذا لم يكن الواقع السياسي مبشرّاء ولم تمتلك الدولة العثمانية عوامل التماسك
الداخلي» وعانت من انشقاقات وثورات وجيوب انفصالية» وإذا كانت الفكرة الجامعة قد
ضعفت سلصطتها في الحياة» وغلب كل ما يشجع على الفردية والفرقة» فقد فرضت
الفكرة الإسلامية نظامًا اجتماعيًا محكمّاء وامتلكت الأمة تقاليد وأعراقًا ساندت الروح
(') عاش الغرب في عصور الظلام تجربة حضارية ممائلة» إذ كانت الفكرة المسيحية ذخيرته التي تصد عنه
الأخطار وتكتله أمامهاء وعلى الرغم من أنها في صيغتها المحرفة لم تلتحم بالحياة وتعارضت مع المصالح
وكانت سلبية في البناء والإعمارء فقد استطاعت أن تحمي الغرب من الذوبان وتكون درعه الواقي في مواجهة
الحضارة الرائدة» إلى أن أسلمته إلى الريادة الحضارة حين توافرت الشروط الموضوعية لذلك.
.١3-17/9 :]17[ ينظر: )(
١5ه
د. بيوضء» وجندية
الجماعية المنسحبة» وضمنت بصرامتها الاحتفاظ بتنظيمات جماعية داخلية صلبة»
ذات زعامات محلية موقرة» أسهمت في إدارة الصراعء وتحقيق التوازنات» وتحمّل مهام
الدفاع؛ كالرابطة القبلية» والرابطة الدينية» والرابطة الحرفية» ورابطة الأحياءء والرابطة
الأسرية المتينة. داخل هذه التنظيمات كان التماسك قويًا والتعاون على أشده والولاء
خالصًا للجماعة» أما خارجها فشكلت هذه التنظيمات بؤر صراع وتوتر دائمين(".
وضمن التشكيل الهرمي والسلطوي للمجتمع والقيم؛ لم تخلّ الأمة من قادة وزعماء
ومصلحين ومتنفذين أصحاب ضمائر حية؛ تعلمت الأمة أن تحترمهم وتتحرك
بتوجيههم وتلتجئ إليهم في الضائقات(").
وحسب الأمة أن فطرتها لم تتشوه تشوهًا كاملاً» وغريزة الانتصار للحق لم
تمت في النفوس التي ألفت الذل» وقد عبّرت انتفاضاتها على الظلم إن جارء وثوراتها
على الذل إن جاوز الحد("؛ عن نبضها الحي وإبائها المستكنٌ للضيم؛ وحسبها أن
طاقة تحملها التي ضاعفتها المحن والآلام لها حدودء تلك الطاقة التي هي أيضًا
مكسب ثمين من مكاسب عهود الانحطاطء تمنح الأمة التي أفلست مواردها المادية»
وعاندها واقعهاء وعادتها بيئتهاء رأسّ مال ذاتيًا يستقي من معين مأزق الانحطاط ومن
دم المحن والآلام» ويمد النفس بالصلابة والصبر والقدرة على مجابهة الصعابء» بشرط
أن يتوافر معادل يخلق الدافع للمقاومة» ويوجه طاقة الجلد تلك للسيطرة على التحديات
بدل الرضوخ لها والاستسلام لضغوطها. ولعل منهج التقليدء بهذه الرؤية» أثمن تركة
لمرحلة الانحطاطء فقدرته على تحويل القيم إلى تقاليد متكلسة منحها الفرصة للبقاء»
وأسهم بذلك في حماية الحضارة من الانحلال الكاملء والذوبان في المجرى التاريخي
الهادرء وتضييع هويتها المتفردة» فكان كما الشرنقة التي تصد عوامل البيئة العادية
(() ينظر: [77]: /١ 158-17510. في العراق اليوم» أسهمت الولاءات الضيقة؛ القبلية والدينية والأسرية» في
تنظيم مقاومة صلبة وغير قابلة للاختراق من قبل المحتل الأمريكي؛ وهذا يعني؛ وبمنطق المفهومات ذاتية
التناقضء أن الولاءات المحلية» إن أحسن توظيفهاء يمكن أن تستثمر في المجتمعات العربية كقوة منظّمة» بدل
أن تعتبر قوة مشرذمة يعيي الخبراءَ والسياسيين تفتيثها.
('" ينظر: [5؟5]: /١ 7307.
() ينظر: [57]: /١ 3070-754؟.
١
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
عن الكائن الضعيف المرتجف داخلهاء أو كالسبات الشتوي الذي يهيئ المخلوق الذي
لا يطيق قسوة الطبيعة لفصل تتفجر فيه الحياة من جديدء وكذلك كان..
الخاتمة:
يدرس التاريخ استخلاصًا للعبرء فما هو إلا دورات كرّارة ثابتة الحركة»
والمتغيرُ الإنسان. وإذا كانت هذه الأمة قد شكّتء عبر رحلة تاريخها الطويلة» من
أزمة فعالية لها أسبابها الموضوعية والنفسية» فإنهاء بعد قرن كامل من الكفاح لاطراح
أغلال الانحطاط عن كاهلهاء حققت نتيجتين متعارضتين: فرط فعالية فكرية تصل حدّ
الاستطارة» وانشطار الثوابت» وتضييع الهوية. وقصورًا حادًا في الفعالية العملية أعاق
سيطرة الإنسان العربي على بيئته وواقعه. وقد قيل: 'إذا أراد الله بقوم شرًا ألزمهم
الجدل» ومنعهم العمل"؛ وقالت العرب: 'لم يدرك الأول الشرف إلا بالفعل". وإن
اختلال توازن الفعاليات الحضارية هو كخمودها سواء بسواء» ولا تنهض الحضارة إلا
على حالة انسجام تام وتوازن دقيق بين قوى الأمة» ينظم إمكاناتها في اتجاه واحد»
وهدف واحدء وضابط الإيقاع دائمًا هو الفكرة الحضارية؛ أيَا كانت؛ وقيم الأمة
الروحية» عليها تجتمع الأمة» وبقوتها يخلق الطموحء ولأجلها يولد الدافع للعمل؛ لا
سيما إن اتحدت بالمصالح؛ وأشبعت الحاجات الضرورية» والناس بين مثالي يتحرك
بالقيم» وواقعي يتحرك بالمصلحة:؛ ولا تقوم حضارة إلا على قوة الطرفين معا.
المصادر:
١ - ديورانت ول؛» ١188 . قصة الحضارة. دار الجيل . بيروت» تونس.
؟ - بوكانن باتريك» كان . موت الغرب. ثتر: محمود محمود التوبة» مكتبة العبيكان
. الرياض.
"- توينبي أرنولد» ١17٠0 . مختصر دراسة للتاريخ. تر: فؤاد محمد شبلء» الطبعة
الأولى» مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر . القاهرة.
؛ - رؤوف وفيقء» 2٠٠٠١5 . إشكاليات النهوض العربي من التردي إلى التحدي»
الطبعة الأولى» مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت.
١ا/
د. بيوضء» وجندية
ه- ابن الأثير الجزري أبو الحسن علي بن أبي الكرمء» ١181 . الكامل في التاريخ.
تح: أبي الفداء عبد الله القاضيء الطبعة الأولى» دار الكتب العلمية . بيروت.
5 - المراكشي محيي الدين بن علي التميمي؛ ١86١ . المعجب في تلخيص أخبار
المغرب. تح: ر. دوزي» مطبعة بريل . ليدن.
7- النجار عبد المجيدء ١1515 . تجربة الإصلاح في حركة المهدي بن تومرت.
المعهد العالمي للفكر الإسلامي . فرجينيا.
6- الحريري محمد عيسىء. ١187 . تاريخ المغرب الإسلامي والأندلس في العصر
المريني. الطبعة الثانية» دار القلم . الكويت.
4- ليفين ز. ل» ١17 . الفكر الاجتماعي والسياسي الحديث (في لبنان وسوريا
ومصر). تر: بشير السباعيء الطبعة الأولى» دار ابن خلدون . بيروت.
-٠ زيدان جرجيء تاريخ آداب اللغة العربية. دار الهلال . القاهرة.
-0١ ياغي إسماعيل أحمدء ١115 . الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث.
مكتبة العبيكان.
5- الوردي عليء. ١17١ . لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث. مطبعة
الإرشاد . بغداد.
١ - العيدروس محمد حسنء ١117 - الحياة الإدارية في سنجق الإحساء
العثماني. الطبعة الأولى» دار المتنبي للطباعة والنشر . أبو ظبي.
4- الشناوي عبد العزيزء ١517١ . صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال
الفرنسي لمصر في أواخر القرن الثامن عشر. مطبعة دار الكتب . مصر.
-١6 ضيف شوقيء الأدب العربي المعاصر في مصر. الطبعة العاشرة» دار المعارف
مسار +
-١5 حسين محمد محمدء ١1554 - الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر. المطبعة
النموذجية . مصر.
١١ - شمتز باولء الإسلام قوة الغد العالمية. تر: محمد شامة» مكتبة وهبة . القاهرة.
- بركات حليمء 3٠٠١ - المجتمع العربي في القرن العشرين. الطبعة الأولى»
1١8
مجلة بحوث جامعة حلب سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية العدد 58 لعام ٠٠٠١
مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت.
4- أوغلي عائشة عثمان» ١11١ . والدي السلطان عبد الحميد الثاني. تر: صالح
سعداوي صالح. الطبعة الأولى» دار البشير . عمان.
-٠ فريد محمدء ١18١ . تاريخ الدولة العلية العثمانية. تح: إحسان حقيء الطبعة
الأولى» دار النفائس . بيروت.
-١ ابن خلدون عبد الرحمن»: 3٠١١ تاريخ ابن خلدون, المقدمة. تح: خليل
شحادة» دار الفكر . بيروت.
5- نعيسة يوسف جميل»: 1185 . مجتمع مدينة دمشق. الطبعة الأولىء دار
18